السبت 19 أكتوبر 2024

ابن التاجر

موقع أيام نيوز

حسن إبن التّاجر والدرويش
من الفلكلور السّوري
رجل غريب في سوق الأقمشة (حلقة 1 )
في قديم الزّمان عاش في حلب تاجر أقمشة، ولم يكن له سوى ابن وحيد، اسمه حسن، فلمّا كبر الرّجل، وشاخ، لزم البيت، وحلّ ابنه مكانه في السّوق، يبيع ويشتري.‏ وكان حسن فتى مليح الوجه، حلو الحديث، لكن ليست له براعة أبيه في التجارة، فقلّ الرّبح ،ولم يكن ذلك يقلق التّاجر فأمام ولده الوقت ليحذق تلك الصّنعة ،وسيصير من أكبر باعة القماش ، وكان في تلك المدينة درويش غريب الأطوار ،يرتدي ثوبا باليا، ويدور في الأسواق ،وينشد :
سيحلّ الجفاف
الجدب والجوع

مع وصول أونصة الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 2500 دولار، يجد المواطن المصري نفسه مضطراً لموازنة استثماراته بين الذهب واحتياجاته الأخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار السيارات مثل تويوتا، هيونداي، وبي إم دبليو، مما يزيد من التحديات المالية التي يواجهها.
في الأمصار والبوادي
وكلّ لنّواحي والرّبوع
ستجفّ الأشجار
وتذبل الزّروع
ولن يبقى مطر في السّحاب
ولا على الأرض ينبوع
وكان التّجار يطردونه لمّا يقترب منهم، ويشبعونه ضړبا وسبّا ،لكنه لا يبالي ،يرجع دائما للسّوق ،وينشد نفس الشّعر ،وكان الناس ينظرون إليه ثمّ يهزّون رؤوسهم ،ويواصلون طريقهم ،وحتى الشيوخ والفقهاء لم يكونوا يهتمّون بما يقوله الدرويش ،فهم لا يخشون شيئا ،ما داموا يأكلون على موائد السّلطان ،ويرتزقون من خيره .
في أحد الأيّام مرّ الرّجل أمام دكّان حسن، وكان الصّبيان يرمونه بالحجارة حتى أدموا رأسه ،وقدميه الحافيتين، ولا من يرحمه ،فخرج الفتى، وصاح فيهم :ويحكم أيّها اللئام ،إتقوا الله ،فلم يحسن آبائكم تأديبكم !!! ثمّ أدخله عنده، وأحضر له آنية فيها ماء، فغسل له وجهه، وضمّد جراحه ، والرّجل ينظر ،ولا يتكلم ،ثم وضع حسن صينيّة الطعام، وأكلا حتى شبعا، وأثناء الأكل كانا يتحادثان ،وتعجّب حسن من سعة علم الدّرويش، وكلّ ما سأله عن حاله، أخبره أنّه سيعرف ذلك في حينه ،وقبل أن ينصرف الرّجل أعطاه الفتى جبّة جديدة ،وعمامة ،فأعلمه أنّه ليس عنده ما يدفع به ثمن الثّياب، أجابه حسن :إنّها هديّة لوجه الله .وكان التّجار يستقذرون ذلك الدّرويش ،وقالوا وهم يضحكون :لن يأت أحد 
تتأثر أسعار السيارات من شركات مثل مرسيدس بتقلبات أسعار الذهب وسعر صرف الدولار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد.
في الغد مرّ الدرويش في السّوق ،واستغرب النّاس من جمال مظهره ،بعد أن لبس الملابس الجديدة ،وشذّب لحيته وقصّ شعره ،ولمّا وصل لدكّان حسن دعاه للدخول وما كاد يجلس حتى أشعل الكانون ،ورمى فيه أعشابا ففاحت من الدّكان رائحة زكية كأنها المسک وبعد قليل صار الزّبائن يدورون فلا يعجبهم شيئ، فيجيئون لحسن ،ويروق لهم كلّ ما عنده، فيشترون منه ،وانزعج بقيّة التّجار ،فلمّا حان المساء لم يبيعوا سوى النّزر القليل بينما كادت البضاعة أن تنفذ من عند إبن التاجر،وحتى الأشياء الكاسدة باعها ،قال الدّرويش : لم يبق إلاّ أن تذهب لدار أبيك ،وتستريح، وفي الفجر تأتي هنا، فستجد خمسة جمال محمّلة بالأقمشة ،إدفع المال لصاحبها، ولا تسأله عن شيئ ،لا من هو ،ولا من أين جاء !ا! هل فهمت يا بنيّ ؟ أجابه :وما يهمّني من ذلك !!! سآخذ بضاعتي ثمّ أتوكّل على الله في الغد تعجّب حسن كثيرا حينما جاءت القافلة التي قال عليها الدّرويش ووقفت أمام الدّكان ،ورأى إبلا حمراء جميلة المنظر وأمامها رجل يلفّ رأسه بعمامة زرقاء ولا لحية له ،قال له :أنزل الصّناديق ولمّا فتح إحداها ،وجده مليئا بحرير سمرقند ،والصين ،والأثواب مختلفة الألوان والأشكال ،فقال له حسن: ما معي من مال لا يكفي حتى لصندوق واحد !!! أجابه الرجل: ما تفعله من خير يردّه الله لك من حيث لا تعلم ،فاشكر ربّك على رزقه ،وخذ بضاعتك ،أراد حسن سؤال صاحب القافلة عمّن يكون فهو ليس من أهل حلب ،وتلك الإبل لم ير في مثل حسنها ،لكن تذكّر وصيّة الدّرويش، فتراجع عن ذلك ،وشغل نفسه بفتح الصّناديق ،وقد هاله ما فيها من نفائس ،وطرائف تليق بالأعيان، وقل في نفسه دون شك هذه البضاعة تساوي مالا عظيما ، ،وفكّر أن ذلك الدّرويش يخفي سرّا ،ثم رصف البضاعة على الأرفف، وانهمك بالبيع والشراء، ونسي أمر القافلة .
لمّا طلع الصباح ،حضر الدّرويش ،وطبخ القهوة على الكانون، ثمّ بخّر كعادته فبدأ الناس يزدحمون على دكّان حسن ،وجنّ جنون التّجار ،ولم يعرفوا ما يحصل ،ولماذا تركهم النّاس رغم جودة بضاعتهم التي أتوا بها من أقصى الأرض ،ومرّت الأيام وسمع الأعيان بحسن ،وصار الأمراء والوزراء يأتون للشراء من عنده ،وحاول التّجار الكيد لحسن ،ورشوة ناظر السّوق ليأتي، ويغلق دكانه ،وزعموا أنّه يتحيّل على المشترين ،لكنّ الرّجل لما جاء ،وشمّ تلك الرائحة العطرة من الكانون، استرخت نفسه ،ورجع إلى التّجار ورمى عليهم مالهم ،وقال: والله لم أر أحسن من ذلك الدّكان ،ولا أجمل وجها من البائع ،فسبّوا ناظر السّوق، واتّهموه بأنّ حسن دفع له أكثر مالا منهم ، لكي يتركه في حاله .
يؤدي ارتباط أسعار الذهب وسعر صرف الدولار بتكاليف المواد الخام والاستيراد إلى تأثير مباشر على أسعار السيارات في الأسواق.
،وتناقل أهل القصر خبر دكّان الأقمشة الذي وسط سوق حلب، وما فيه من خيرات ،وأيضا عن الولد حسن ،وبلغ ذلك الأميرة خلود ،فقررت أن تذهب مع وصيفاها لرؤيته بعدما بلغها عن جمال وجهه ،فاحتجّت عند أمها أنّها تريد شراء ثوب من الحرير المطرّز ،فردت عليها الملكة :ويحك يا إبنتي، لك من الحرير والأثواب ما يعمّر سوقا للقماش، ولا تزالين تريدن الشراء ؟ فردّت خلود :لم أشتر شيئا جديدا منذ فترة طويلة ،هل تريدين أن تسخر مني صديقاتي ؟ وفي النهاية قالت لها أمّها :إذهبي ،أمري لله ...
يتبع الحلقة 2

حسن إبن التّاجر والدرويش
من الفلكلور السوري
الأميرة خلود بنت سلطان حلب (حلقة 2)
في الغد إجتمع تجّار الأقمشة ،وذهبوا لدار الحاج مختار ،واشتكوا له ضيق حالهم ،وأن إبنه حسن قد قطع رزقهم ،وهم لا يجدون ما يطعمون به صبيانهم ،وترجّوه أن يضع أحدا آخر مكانه ،ففكّر قليلا ،ثمّ قال : لا تقلقوا سأفتح له دكّان عطارة أو أي شيئ آخر هل يرضيكم هذا؟ نظروا لبعضهم ،وقالوا : الأفضل أن ترسله في البحر إلى بلاد بعيدة ،ليأتيك بالبضائع ،وكان التّجار يأملون أن يغرق فيستريحون منه ،ردّ الشّيخ : ويحكم ليس لي غيره ، والآن عن إذنكم ،فأنا أشعر بالتعب، وأريد أن أنام . فخرجوا من عنده ،وهم يتميّزون من الغيظ .ولمّا رجع حسن في المساء، أخبره أبوه عن رغبته في ترك تدبير الدكان لمحمّد إبن أخيه، أما هو فطلب منه أن يفكّر بشيئ يكسب به رزقه، وسيعطيه ما يحتاجه من مال ،لم يكن من الصّعب على حسن معرفة من فعل ذلك ،وقال في نفسه: سيأتي اليوم الذي أنتقم فيه ،وأنا أعلم أنهم لن يتركونا وشأننا ،وسيجدون حيلة أخرى حتى يقفلوا الدّكان .
في الصّباح حين جاء الدّرويش أخبره الولد بما حصل ،فقال له: تعال نجلس في مقهى الخواجة "كريستو " ونشرب القهوة !!! أعجبت الفكرة حسن ،ثم جلسا، وطلب الدّرويش نارجيلة ،وفنجانين قهوة تركي، ثم قال لحسن :لا شك أنك تريد سماع قصتي !!! فأومأ له برأسه .في هذه الأثناء وصلت الأميرة للدّكان ،وحين نظرت للبائع وجدته ولدا أسمر ونحيلا ، ،وقالت :إذن هذا هو حسن الذي يتكلم عنه أهل القصر !!! ليس فيه ما يميّزه عن غيره ،فأصيبت بخيبة أمل ،ثم مشت في السوق ،تتفرج على بضائع التّجار ،حتى إقتربت من  الرجل، ليهتمّ به الناس لهذا الحدّ ،فسمعته يقول .. وحين بدأت الشّمس في الغروب ،رأيت نورا يتللأ في السّماء ،فتعجّبت، وفجأة هتف صوت :هذه ليلة القدر ،فاطلب من الله أمنية يحقّقها لك !!!فقلت :أريد من الله أن يطيل عمري حتى أسافر وأرى الدنيا ،قال الصّوت ستعيش خمسمائة عام، لا تهرم فيها أو تكبر ،وسبحان الذي إذا قال كن ،فيكون ،ثم توقّف الرّجل عن الكلام ،وتصايح الزّبائن : أكمل الحكاية بالله عليك ،فلم نقدر أن نمنع أنفسنا من الإستماع ،وأنت تقصّ حكايتك لحسن إبن التاجر !!! فقال لهم: سنأتي غدا، وأواصل الحكاية ،فلم يعد لنا ما نفعله بعد أن أبعدنا الحاج مختار من دكّانه ،ردّ الزّبائن: لا شكّ أنّه سيندم، فكلّ الناس في حلب تحبّكما .
قالت الأميرة خلود في نفسها : لقد كان في إعتقادي أن ذلك البائع الأسمر هو حسن، لكني كنت مخطئة ،وأهل القصر لهم الحقّ ،فالولد الجالس في المقهى كالذي أراه في أحلامي، أشقر وقويّ كالفرسان ،لا بدّ أن أحتال على أمّي ،وأخرج للسّوق مرة أخرى .ثم ،إقتربت منها أحد وصيفاتها ،وسألتها :هل ذلك الولد هو حسن ؟ أجابت الأميرة في سعادة :هو بعينه ،ولا بد أن أراه غدا !!! قالت الوصيفة :والله لا أكاد أميّزه عن أولاد السّلاطين ،ولكن هل فكّرت كيف ستخرجين دون أن يفطن لك أحد ؟ أجابت خلود : سأتنكّر في هيئة رجل ،أمّا أنت ستلبسين ثيابي، وتجلسين في الحديقة، وكلّ من يطلّ من الشّرفة يراك ،وإذا ناداك أحد ،فاختفي بين الأشجار ،هل فهمت ؟ أجابت الوصيفة : نعم يا مولاتي ،المهمّ أن لا تتأخّري عن موعد الغذاء ،ويجب أن تكونين على الطاولة مع أمّك ،وأبيك السّلطان .
غدا صباحا تنكّرت الأميرة في هيئة طبّاخ ،ووضعت مئزرا على وسطها ،ثم ركبت بغلة ،وخرجت ،ولمّا رأت الحارس يحدّق فيها خاڤت أن تسقط اللّحية التي ألصقتها على وجهها ،وصلت خلود باكرا للمقهى ،وجلست في إنتظار الدّرويش وحسن ،ولم تقدر أن تصبر،وذهبت للسّوق، فبدأت تنظر بعينيها هنا وهنك ،ولاحظت أنّ تجّار القماش يتهامسون فيما بينهم ،وقد ظهر في عيونهم الشرّ، ثمّ رجعت لمكانها، ولاحظ صاحب المقهى نظراتها الحائرة ،وقال لها ،وهو يظنّ أنّها رجل: إسمع ،إن كنت تبحث عن الدّرويش، فهو لا وقت له، قد يأتي باكرا، وأحيانا يتأخّر، ولا أحد يعرف أن يختفي ،وفي الأخير قرّرت أن تذهب لدار حسن، وتجد عذرا لتكلّمه ،فهي لا تستطيع التأخّر كثيرا ،ولو علمت أمّها بما فعلته، سيكون عقابها عسيرا هذه الليلة
يتبع الحلقة 

حكاية حسن إبن التّاجر والدرويش
من الفلكلور السّوري
النّبوءة العجيبة (حلقة 3)
حين وصلت خلود أمام الدّار، همّت بطرق الباب، لكن في نفس الوقت فتح حسن ليخرج ،ومن شدّة إرتباكها سقطت عن وجهها اللحية ،فضحك حسن من الفتاة ،وقال :أخشى أن سيقط شعرك أيضا ،فابتسمت له ،ثمّ رفعت العمامة عن رأسها، فتهدّل شعرها الذّهبي على كتفيها، ،فسحبها حسن من يدها إلى وسط الدّار، وقال لها :سيدتي الأميرة ،ماذا تفعلين هنا ؟ فليس من الحكمة أن تتجوّلي وحدك في الأزقّة ،وإن جئت للشّراء، فأنا لم أعد أعمل في الدّكان ،ولقد وضع أبي واحدا آخر محليّ !!! قالت له: لقد جئت لأسأل عن الدّرويش ،فلقد كنت مارّة أمس قرب المقهى ، وسمعت شيئا من حكايته ،أجابها :هذا عجيب، فجأة ،بدأ كلّ النّاس يهتمّون بذلك الرّجل !!! ثم رافقها في أزقّة حلب بعد أن أعادت تنكّرها ،وفي الطريق وجدت الفرصة مناسبة لتكلّمه 
ثم سألها :هل تريدين أن أرافقك للقصر؟ أجابته : أشتهي أن أشرب قهوة وأستمع لباقي الحكاية ،تردّد حسن ،فليس كلّ الناّس في المقهى مهذّبين وقد يقولون كلاما غير لائق ،فهمت الأميرة ما يفكّر فيه ،وقالت: لقد مللت من جوّ القصر، واذا خرجت للمدينة، فحركاتي محسوبة ،قال الولد :موافق، لكن أوصيك بالصّمت ،هل تعديني بذلك ؟ أجابته :سأغلق فمي ،وأفتح آذاني !!! بعد قليل وصلوا للمقهى، وانبسطت خلود لمّا خلعت حذاءها ،وصعدت على دكّة مفروشة بحصيرة ، ولمّا حضرت القهوة اتّكأت على وسادة من المخمل ،وشرعت في ترشّف فنجانها ،والتقت عيونها مع حسن ،وأحسّت بسعادة لا توصف ،كلّ شيء حولها كان رائعا: نغمات الموسيقى ،ورائحة النّعناع ،والباعة ،الذين يقتربون وفي أيديهم قراطيس اللوز والفستق الحلبي 
بينما هما كذلك، جاء الدّرويش، فجرى الزّبائن ،وتحلّقوا حوله فتنحنح ،وقال : بعد قليل إختفى الصوت ،وعاد الهدوء فبدأت أطوف في الأرض ،أدخل من مدينة ،وأخرج من أخرى ،ورأيت أقواما شتّى ،وتعلّمت ما عندهم من علوم وحكمة ،حتى بلغت ثلاثمائة سنة ،وأحد الأيّام دخلت في غابة، وحلّ الليل، فإذا بامرأة جالسة تبكي، لمّا رأيتها جزعت منها ،فلقد كان لها حافر حمار ،وهممت بالهرب ،لكن خرج لي آخرون ،وقبضوا عليّ ،فقالت لهم: أتركوه ،وحكت لي قصّتها، وأنها ملكة قبيلة من الجان، وقد ماټ زوجها ،ومن عادتهم أنّهم يدفنون الملكة حية، إلا إذا وجدت من يتزوّجها ،وقومها يكرهون الأرامل ،ويعتبرهنّ نذير شؤم ،فلمّا رأيت دموعها، وافقت على الزّواج ،وعشت معها مائة خمسن سنة حتى ماټت ،وأنا لا أزال شابّا ،ثم قلت في نفسي: لم يبق لي الكثير من الوقت لأعيشه،وعليّ أن أستغلّ ما بقي من عمري، لخدمة الناس وأنا أرجو أن يذكروني بالخير ،وأنال أجرا يوم الدّين .
لكنّ أحد الأيّام لاحظت خروج حشرة سوداء من الأرض ،وفي البداية لم أهتمّ بها ،لكن بعد أشهر رأيت واحدة ثانية في مكان آخر بعيد ، ثم ظهرت في كل الأقاليم ، فبدأت أخاف، فتلك الحشرة الخبيثة لا يأتي منها خير، ولمّا تظهر وتبدأ في التّكاثر ،فذلك يعني أن جفافا عظيما ينذر بالاقتراب ،حينئذ عرفت أنّ مهمّتي هي أن أحمي هذه الأرض وما فيها من إنس وجان، وغيرهم من الجفاف قبل أن أموت ،ودرت على هذه الأمم ،وكل واحد أعطاني شيئا من سحره ومعارفه ،ولم يبق إلا الإنس ،وهم الذين لهم القوة، والحيلة . ثمّ توقّف الدّرويش ،واستغرب الزّبائن والأميرة ممّا سمعوه ،وظنوا الحكاية من خياله ،مثل الشّعر الذي كان ينشده عليهم، وصاحوا :وبعد ماذا حصل ؟ أجاب الرّجل :المرة القادمة ..
غمز الدّرويش حسن، وقال له لقد قدمت الأميرة من أجلك ،فلا تسئ التّصرف مع مولاتك !!! فتعجّب الفتى من فطنته ثم رافق خلود ،وأخذا يدوران في المدينة ،ويتهامسان بحبّ وفي الأخير أوصلها للقصر ،لكن أحد التّجار كان جالسا في المقهي ذلك الصّباح ، ،ولمّا انصرف حسن مع الأميرة المتنكرة في هيأة رجل مشى وراءه ليعرف من ذلك الشخص ،وأين يذهب معه ؟ لكنه لما سمع صوته ،عرف أنها فتاة ،وزادت دهشته حين ذكرت أمّها التي تنتظرها في القصر، ،فأيقن أنّها خلود، ووجد الفرصة للتّخلص من حسن ،فالنّاس تحبّه ،ولذلك يذهبون لدكان أبيه للشراء ،ورغم أنّه إبتعد عن التّجارة الأ أن حالتهم لم ترجع كما كانت من قبل ..
يتبع الحلقة 4

حكاية حسن إبن التّاجر والدرويش
من الفلكلور السوري
الحيلة العجيبة (حلقة 4)
قبل أن تنصرف خلود ،طلبت من حسن أن يلبس زيّ جارية، ويأتي لزيارتها في القصر، فهي لن تستطيع الخروج بعد الآن ،والا تفطنوا إليها ، ،و بمرور الأيام أحبته الأميرة ،ولم تعد تطيق فراقه ،وصار حسن يأتي إليها كلّ صباح، أمّا التّجار فذهبوا إلى السّلطان ،ووشوا بابنته ،ولمّا سألهم عمّا يريدونه كمكافأة أجابوه أن يقفل دكان التاجر مختار عقاپا له على سوء تربية ولده ، فأعجبت السّلطان الفكرة ،ووعدهم بالقيام بذلك فخرج القوم مبتهجين ،فأخيرا سيتخلصون من المنافسة في السّوق، فلقد حاولوا قبل أيام رمي النفط من نافذة الدكان لكن الڼار لم تشتعل ،بعد الزوال جمعت القهرمانة كل وصيفات وجواري الأميرة وقالت لهنّ سأقودكنّ 
وأمسكت الجواري بها، ونزعن ملابسها، فإذا هي ولد جميل الوجه، قد كحّل عينيه ،وتزيّن ،فنزلن فيه ضړبا بالنّعال ،وصحن :يا لك من وقح ،لقد كنت تتفرّج علينا ونحن عراة ،لكن القهرمانة، قالت: أتركوه فالسلطان هو من يعاقبه، فلم يجئ لكنّ وإنّما لسيدتكنّ الأميرة خلود ،قالت واحدة منهن: الآن فهمت لماذا تجلس تلك الوصيفة طول الوقت مع الأميرة تمشط شعرها ،فهي لا تريد سواها لتخدمها !!! همست القهرمانة : أوصيكن بكتمان الأمر، والله لو سمعت إحداكنّ تذكر الأميرة بالسّوء، لقطعت لسانها، والآن انصرفن من أمامي .
بعد قليل مثل حسن في حضرة السّلطان وهو في حالة يرثى لها من الضّرب الذي ناله من الجواري ،فقال له پغضب : كيف تجرأ على دخول جناح الحريم أيّها اللعېن ؟ سأعذّبك، ثم أرمي بك للجرذان لتنهش لحمك ،قال حسن: وماذا ينفعك ذلك ؟ فأنا والأميرة نحبّ بعضنا ،أتركني أذهب، وفي الغد أحضر أبي الحاج مختار لخطبة خلود ،ضحك السّلطان ،وقال : أبوك أيضا سيناله العقاپ ،وسأقفل دكّانه ،ولن يبيع شيئا بعد الآن ولا حتى الفول والحمص في سوق حلب !!! أيقن حسن أن التّجار هم وراء هذه المکيدة ،ولا خلاص له منها إلا بمساعدة الدّرويش ،فقال للسّلطان :إذا كان لا بدّ من عقابنا جميعا، فهناك شخص آخر، هو صاحب هذه الفكرة ،ردّ السّلطان سأحضره أيضا لكي أضربه ،ويتوب عن أفكاره الخبيثة ،لكن أين نعثر عليه ؟ فأعطاهم عنوان خربة في طرف المدينة .و لمّا وصل الجنود إلى هناك تعجّبوا فلقد وجدوا قصرا فخما ولما طرقوا الباب خرج لهم رجل حسن اللباس والمظهر ،وطلب منهم أن يدخلوا وينتظروه قليلا ليضع رداءه كانت هناك صناديق فيها السيوف المرصّعة بالجواهر والدّروع الفضّية والأوسمة ،فقال لهم: خذوا ما شئتم، فالخير عندي كثير ،أخذ الجنود تلك السّيوف، ووضعوا الأوسمة على صدورهم، وقد ازداد إعجابهم بأنفسهم ،ثم أحسّوا بالنّعاس ولمّا نهضوا وجدوا أنفسهم في خربة ،ومكان السّيوف وجدوا عصيّا ،والأوسمة تحوّلت إلى كومة قش، ولا أثر الرّجل ،ولمّا رجعوا قصّوا على السّلطان ما حدث ،فرماهم في السّجن ،ثمّ أرسل فريقا آخر ،وحين وصلوا للقصر، وجدوا الباب مفتوحا ،فدخلوا وهم مصمّمون ألاّ يخدعهم الدّرويش هذه المرّة ،فوجدوه 
تسابق الجنود للأكل والشّرب، والمرح مع الجواري الجميلات، وكالعادة ناموا ،ولمّا طار عليهم النّعاس وجد كلّ واحد منهم نفسه يحضن جذع شجرة ،ومكان العنب كانت هناك بعر نعجة ،فرجعوا للسّلطان خائبين ،فڠضب منهم ،وألقاهم في السّجن ،وكلّما أرسل فريقا، دبّر لهم الدّرويش مقلبا حتى امتلأت كلّ سجون القصر بعساكره ،وفي الأخير قال للحاشية :سأذهب ،وأقبض على الدّرويش ،ولن يقدر على خداعي ،لمّا وصل السّلطان وجد قصرا فخما مثلما وصف له ذلك جنوده ،فلمّا دخل وجد الدرويش يسبح في بركة واسعة مياهها رقراقه عذبة، قال له الرّجل تعال، واسبح يا مولاي ، وسأحضر لك شرابا منعشا ،نصحته الحاشية أن يأخذ حذره ،لكنّ الطقس كان حاراّ ،وقال السّلطان: سأقوم بغطسه واحدة ،فخلع ملابسه ،وترك تاجه وصولجانه وارتمى في الماء، فأعجبه ذلك ،وغلبه النّعاس، ولمّا أفاق وجد نفسه عاريا في بركة من الطين وفوق رأسه دجاجة تقاقي، والحاشية تكاد ټموت من الضّحك ،فصاح :ويحكم هاتوا لي ثيابي !!! فلم يجدوها ،ولا التاج والصّولجان ،فجاءه الدرويش بمنشفة ،رماها عليه ،وقال له :سأرجع لك ثيابك ومتاعك إذا وعدتني باطلاق ذلك الفتى حسن ،وإعادة فتح دكان والده ،واعلم أنّ كلّ ما جرى له مکيدة من التّجار، وهم من يجب أن يعاقب يا مولاي .
وبالله لا تقسو على ابنتك خلود ،فإنّها تحبّ حسن، فزوّجها منه ،وإلا ستخسرها ،أما أنا فسأتمّ مهمّتي ،وأرحل ،تساءل السّلطان: وما هي هذه المهمّة ؟ ثمّ من أنت ؟ ردّ عليه :كلّ النّاس تنتظر الإجابة عن هذا السّؤال ،لكن خلاص المملكة هو بيد حسن ، ثمّ إختفى الدّرويش فجأة كأنّه تبخر في الهواء ،ونظر السّلطان حوله، فوجد سطل ماء دافئ وقربه ملابسه، وحاجياته ،فاستحم ورجع للقصر، وهو في غاية العجب ممّا رآه وسمعه هذا الصّباح ..
يتبع الحلقة 5

حكاية حسن إبن التّاجر والدرويش
من الفلكلور السوري
سرّ زوجة الحاج مختار ( الحلقة 5)
لمّا وصل السّلطان استدعى حسن ،وسأله عن الدّرويش، فأخبره أنّه شخص مبارك ،وكلّما يحلّ في مكان يأتي معه الخير ،وحكى له عن دكّان والده وكيف صار يربح بمجرّد أن جلس ذلك الرّجل فيه ،كان السّلطان يستمع للفتى، وأعجبه حسن منطقه، وجمال وجهه ،وقال في نفسه :خلود لها الحق حين أغرمت به من أوّل نظرة، ولم أسمع عن أبيه الحاج مختار إلا الورع والتقوى، ،ثم نظر لحسن وقال له: ارجع لداركم ،وفي الغد تعال مع أبيك وأهلك لخطبة الأميرة ،وسيأتي أحد لفتح الدّكان، وإزالة ختمي من الباب ،موعدنا إذا في المساء !!! مشى الفتى إلى الدّار، والدنيا لا تسعه من الفرح، وحين سمعت الجواري بإطلاقه دون عقاپ غضبن كثيرا، واشتكين للقهرمانة، فقالت لهنّ: سيصبح ذلك الولد زوج سيّدتكنّ خلود، والآن يكفي من الشّكوى، واذهبن لتساعدن الأميرة في الاستعداد للخطبة غدا.
أمّا حسن فلمّا دخل الدّار، وجد أباه يصلّي ،فانتظره حتى فرغ من الصّلاة،ثم طلب منه مرافقته للقصر لخطبة الأميرة خلود ،فأجابه : ولم لا ؟ فتلك الفتاة كاملة الأوصاف ،ولا أخفي عليك أنّ نساء الأعيان كنّ يسألنني عنك لمّا يشاهدنك معي في للدّكان .،ما يأسفني شيء واحد هو أن أمّك لن تحضر عرسك !!! قال له حسن: أخبرني عنها يا أبي، أجابه مختار :إنّها ليست من الإنس، وكلّما أسهر في الليل،تخرج لي حورية جميلة حتى أغرمت بها، ثم تزوجنا، وبعد أن ولدتك، اختفت ولم أعد أراها ،ولقد بحثت عنها في كل مكان حتى أصابني اليأس فقمت بتربيتك بمفردي ،وصرت أحملك معي أينما أروح حتى كبرت ،وهذا سرّ جمال وجهك الذي طالما أدهش الناس ،وبالطّبع أخفيت عنهم أمر أمك لكي لا تفسد تجارتي .لما سمع حسن ذلك قال :الغريب انّ الدّرويش امرأته أحد ملكات الجان، والله صرت أشكّ في أنّ لقاءنا لم يكن مصادفة ، وأنه يعلم من أنا !!! ولمّا أراه سأقوم بسؤاله، فذلك الخبيث يخفي عني كثيرا من الأسرار العجيبة،ومن يدري لعله يعرف أين أمّي ؟ ولماذا إختفت وأنا لا أزال طفلا صغيرا .
في الغد حين حلّ المساء كان حسن وأهله قد وصلوا للقصر في أبهى حللهم، واستقبلهم السّلطان بحفاوة ونصبت موائد الطعام وأكل الضّيوف وانبسطوا، ثم حضرت القهوة ،وبعد أن أخذ الحاج مختار رشفة ،قال للسّلطان : أدام الله عزّ مولاي ،وبارك له في نسله ،وطيّب الثرّى تحت قدميه، لقد جئنا نلتمس الشّرف في قربنا منك، ونجمع أبناءنا لما فيه الخير لهذه الأمّة ،تعجّب السّلطان من فصاحة الرّجل، وحسن كلامه ،فلاح على وجهه الرّضى ،وأجاب : والله يا حاج مختار لم نسمع عنك إلا خيرا ،وأنا موافق على الخطبة !!! قال الشّيخ :وماذا يطلب مولاي مهرا لإبنته خلود ؟ فكّر السّلطان، ولم يرد أن يكسف نفسه أمام الحضور، فقال :ألف أوقية من الذّهب ومثلها من الفضّة والجوهر ،وألف من النّوق المهرية . صمت مختار، فمن أين له بكلّ هذا المال ؟ لكن السّلطان غمزه بطرف عينه ،فقال :أمرا وطاعة يا مولاي، وسيكون للأميرة هدايا من الحرير والعطور، والبخور،ولن أسمع بشيئ من النفائس والطرائف إلا حملته لها .
إستعظم الحضور هذا المهر الذي لا يقدر عليه سوى السّلاطين ، ولما جاء الحاج خارجا، قال له السلطان : سآتي بالإبل من قطيعي وقطيع الملكة ،لكي تراها النّاس، ثم نرجعها للمراعي ،وأحظر أنت الباقي، وما لا تقدر عليه سأكمّله من خزائني ،فلا أريد أن يستنقص أحد من قيمة حسن ،فالناس تقيس كل شيئ بالمال ،هل إتّفقنا يا حاج مختار ؟ ردّ الشيخ : الرّأي ما تراه يا مولاي !!! ثمّ إنصرف ،وهو يفكّر من أين سيجئ بكلّ ذلك الذّهب والجواهر، والهدايا الثّمينة؟ وأحسّ أنّه تورّط في هذا الزّواج ،فالجميع يعرف طمع حاكم حلب ،وحتى دكّانه مقفل إلى حدّ الآن، ولم يأت أحد من شرطة السّلطان لإعادة فتحه ،ولم يبق أمامه من حلّ سوى أن ينزل لحارة اليهود ،ويقترض من ذلك المرابي " شلومو " اليهودي ،وهو يعرف أنه سيردّ القرض مع فائض كبير ،لكن لم يكن باليد حيلة ،وهو يفعل أيّ شيئ من أجل حسن والأميرة خلود ،وهو يتذكرها لما كانت تجيئ مع أمّها للشّراء من عنده
يتبع الحلقة 6

حسن إبن التّاجر والدرويش
من الفلكلور السوري
لقاء في غابة الجان (حلقة 6)
في الصّباح قصد الحاج مختار وحسن سبيلهما لحارة صغيرة وسط حلب يسكنها اليهود ،وكانت نظيفة مليئة بالدّكاكين التي تبيع الفطائر والحلويات ،واللحم والخبز ،وأولئك القوم لا يشترون شيئا للأكل أو الشّرب من خارج حارتهم ،ويحملون دائما جرابا فيه زادهم .ولمّا وصلوا لمشارف الحارة ظهر لهما الدّرويش ،وقال :إلى أين تذهبان في هذا الصّباح الباكر؟ والمفروض أنّكما الآن تستريحان بعد السّهرة أمس مع السّلطان !!! تعجّب حسن ،وقال له :ومن أين علمت؟ هل صرت تتلصّص علينا الآن ؟ ضحك الدّرويش ،وقال :أنا من أقنعته ليزوّجك إبنته ،أتعتقد أنّه كان سيقبل لو لم ير قوّة سحري ؟ والآن إرجعا لداركما ،ولا تشغلا بالكما بشيئ ،فبعد أربعة أيّام بالتّمام والكمال ستأتيكما قافلة لم ير الرّاؤون مثلها ،وفيها ألف ناقة، وكلّ ما طلبه السّلطان، وأيضا حمولة العطور والبخور والحرير ،سأله حسن : ومن أرسلها لنا ؟ رمقه الدّرويش بحدّة، وأجاب: وما يعنيك؟ ستأتي القافلة ناحية الغابة شمال المدينة ، وسنتلاقى مرّة أخرى هناك ،ثم اختفى بالسّرعة التي ظهر فيها .
قال الحاج مختار :هذا إذا هو الدّرويش الذي سمعت عنه !!! يا له من رجل غريب الأطوار، ترى هل ما قاله عن القافلة حقيقة أم يريد أن يسخر منّا ؟ أجاب حسن : ذلك الرّجل لا يمزح في أقواله ،وهو جاء لتحذيرنا من جفاف عظيم يوشك أن يحدث ،ويعتقد أنّ نجاة حلب هي في يدي !!! سأله أبوه: ولماذا أنت بالذّات؟ أجاب: لا  لمّا رأوا حسن يعود للتّجارة ،بعد كلّ المكائد التي دبّروها له ،وقالوا فيما بينهم :لقد عظم أمر ذلك الولد ،ولم يعد لنا مقام في هذه المدينة ،سنرحل مع أهلنا، فأرض الله واسعة .
في صباح اليوم الرّابع كان حسن وأباه ينتظران القافلة قرب الغابة ،وقد إشتدّت لهفتهما ،وفجأة أبصرا الدّرويش قادما ،ومعه امرأة جميلة تضع على رأسها تاجا ،ولمّا رآها الشّيخ، فتح عينيه من الدّهشة ،و قال لها :هل هذه أنت يا ريحانة ؟ ثمّ خرّ مغشيا عليه ،قال الدّرويش لحسن: دون شكّ تريد أن تعرف من هذه المرأة ،ولماذا أغمي على أبيك حين أبصرها ؟ سأجيبك :إنها ريحانة ملكة الجان ،وجدّتها نور الشّمس كانت إمرأتي، يعني أنا وأنت عائلة واحدة !!!لاح الاستغراب على وجه الفتي، فاقتربت منه أمّه، وضمته لصدرها وبكت بشدة ،في هذه اللحظة فتح الشيخ عينيه ،وسألها بالله عليك لماذا ذهبت ،هل قصّرت في شيئ ؟ قالت له :أبدا يا حاج مختار،سأروي لك كل شيئ، فأحد الليالي كنت مارّا بهذه الغابة ونزلت للرّاحة ،ورأيتك من بين الأشجار وأعجبني كرمك مع الحيوانات الصّغيرة التي كانت تتجمّع حولك لتأكل خبزك دون خوف ،وكأنها أحسّت بكرم نفسك ،فأحببتك ،واتبعت خطاك حتى عرفت دارك، وصرت أتردد عليك ،وفي الأخير تزوجنا ،وأنجبنا ذلك الغلام المليح .
لكن أحد الأيّام اختارني الجان لأكون ملكتهم بعد أن نقموا على أختي لسوء تدبيرها في حماية مخازن طعامنا فأتلفته الطيور ،ولزم أن أغيب عنك لأهتم بشؤون قومي، فالغابة لم تعد كبيرة كالعادة ،وقلّت فيها الثّمار البرّية التي نأكلها ،وقد فكّر الكثيرون في ترك الغابة ،والذّهاب ناحية المستنقعات المليئة بالأسماك لكني جاهدت طوال هذه السّنين من أجل البقاء في أرض أجدادنا ،ولعلّك أدركت الآن لماذا ابتعدت عنك ،فلا يمكنني أن أكون ملكة وأنا متزوجة برجل من الإنس ،لكن والله لم أنساك لحظة واحدة ،ولا إبني الصغير وكنت أتابع أخباركما دون أن تحسّ بذلك .قال الدّرويش: الآن اجتمعت العائلة ،وهذا أمر جيّد لنا ،ولكن للأسف فلن نفرح كثيرا إذا علمتم ماذا سيحصل من شرّ لمملكة حلب وما يسكن حولها من جان ،ومخلوقات أخرى لا يعلمها إلا الله، أنظر يا حسن لقد اقتربت القافلة ،وبعد قليل ستكون هنا، ولقد قطعت المسافة من اليمن إلى هنا في أربعة ،أيّام ،ولا تسألني كيف فعلت ذلك،فلن أجيبك، والآن اذهب للقصر ،وسلّم المهر لعروسك، وموعدنا في المقهى لأحكي للزّبائن عن الفصل الأخير من حكايتي العجيبة ،فلقد سمعتها كلّ 

حسن إبن التّاجر والدرويش

من الفلكلور السوري

الجفاف العظيم (حلقة 7 )

ما كاد الدرويش يتمّ كلامه حتى سمع الجميع رغاء مئات الجمال ،وكانت الضّجة تصمّ الآذان ،فلم يصدّق الحاج مختار نفسه ،فهذا لا يمكن ،وكان يستمع لحديث الدّرويش بريبة ،وفي بعض اللّحظات إعتقد أنّه يهذي كالمجانين ،لكن حين رأى القافلة بأمّ عينيه ،صار يصدّق كل ما يقوله من أشياء عجيبة . ولم تلبث أن طارت الأخبار للقصر بوصول القافلة ،وأنّ الناس في حلب قد خرجوا كلهم للتفرّج عليها ،وهم يهتفون باسم حسن ،قال الوزير للسّلطان :لا أدري من أين أتى ذلك الولد بكلّ هذه الخيرات !!! لكن المأكّد أنّه سيصير له شأن بين النّاس !!! أجاب السّلطان: أعرف من دبّر كلّ شيئ، إنّه ذلك الدّرويش اللعېن ،ونحن لا نقدر عليه ،ولا عن سحره ،اسمع ، لا أريد أن أفوّت الفرصة ،فسأخرج لاستقبال حسن ،وأرى ما أحضره لنا ،ثم نفكّر في أمره، رمقه الوزير ،وقال في نفسه : يوما ما سيقضي عليك طمعك يا رجل!!! فرح السّلطان بحسن وأبيه اللذان رفعا رأسه عاليا في المملكة ،وصار المهر حديث القاصي ،والداني ،ودعاهما للقصر .وأكرم وفادتهما ،وجاءت الجواري والقيان فغنّين ورقصن .
بعد الأكل والشّرب إستأذن حسن من السّلطان كي يرافق خلود لمقهى الخواجة "كريستو " لسماع الفصل الأخير من حكاية الدرويش الغريبة ،فقال له :سأذهب أيضا ،فوالله لو لم أر براعته في السّحر بعينيّ ،لما صدّقت ما يقوله النّاس حوله .كان المقهى غاصّا بالزبائن،وجلس أهل حلب في الشّارع لسماعه ،قال الدّرويش: لقد درت في الأسواق ،وحذّرتكم من الجفاف ،وأنّ العلامات التي رأيتها لا تترك المجال للشكّ ،إسمعوا ،الحشرة السّوداء صارت ظاهرة للعيان، ثم أخرج من جيبه واحدة ،وقال :لقد التقطتها في الطريق ،وأنا آت إليكم ،قوموا الآن واستصلحوا الأراضي البور ،وازرعوها ،وإلا هلكتم !!!،وسيأتيكم حسن بالماء من الجبل الذي يسكنه ذو العين الواحدة، ثم ألقى الحشرة ،فطارت، وكان لها صوت مزعج ،و أمّا السّلطان فضحك ،ولم يصدّق حرفا واحدا ،،فعن أيّ شيئ يتحدّث هذا الرجل المخبول ؟ ثم أخذ الأميرة، وانصرف لكن إنتشرت الحكاية في حلب وما حولها من القرى والبوادي، ودبّ الذعر في النّاس ،وبدأوا يصطفّون أمام الدّكاكين لشراء الحبوب والبقول الجافّة من عدس وحمص وفول.
لما رجعت خلود للقصر قالت لحسن : كما تعلم أكثر الأراضي حولنا جرداء ،وهي ليست صالحة للزراعة !!! ردّ حسن : سنأتيها بالماء ونحرثها ،ردّت خلود هذه مشكلة ثانية ،فلو كان هناك ماء لعلمنا به قال حسن : حكى لي الدرويش أنه منذ مئات السنين كانت هناك أودية تمرّ بأرض الجان،و تصبّ في بحيرة واسعة ،ولكن غولا بشع المنظر جاء وسدّ العين التي في الجبل ،فجفت البحيرة، وصارت سبخة ،وهي التي يصطاد فيها أبوك الطيور قالت خلود : لنفرض أن ذلك صحيح فمن سيقتل الغول؟ أجابها : طبعا أنا !!! فالنبوءة تقول أن من سيقتله شخص لا هو من الإنس أو الجان ،يعني مثلي فأنا أجمع بينهما الإثنين ،قالت خلود :إذا كان لا بد لك من الذّهاب، فخذ معك على الأقلّ بعض الفرسان. أجاب حسن : ذلك لا ينفع ،فسيحسّ بنا الغول ،إسمعي ،لن يذهب إليه سواي ،والآن كفّي عن الحزن ، كل شيئ سيكون على ما يرام ،وأعدك بالرّجوع سليما معافى .
في الغد دار حسن في الأسواق، وصاح : كلّ من يقدر على العمل ،يجيئ للأراضي حول السّبخة، وسنستصلحها ، لنجد ما نأكله ،وكان الفقراء يحبون ذلك الولد ويثقون فيه أكثر من السلطان ،فجاءوا بفؤوسهم، ومعاولهم ،وكان هناك بعوض كثير في تلك الأرض فأشار الدّرويش بيده فتحوّل إلى غبار أحمر كحبوب الطلع ،وهلل الناس وعملوا بنشاط ذلك اليوم ، وأزالوا الحجارة والأشواك ،ولمّا رجع القوم في الغد ،وجدوا أن لون الأرض بدأ يميل إلى الحمرة ،فتعجّبوا من ذلك ،وأيقنوا ببركة ذلك الدرويش ،وحين أخبرت خلود أباها ليساعدهم، قال :إنهم يضيعون وقتهم، فلن تنبت تلك الأرض شيئا دون ماء ،وحتى لو صح كلام الدرويش ، فمخازنه عامرة ،وليس هذه المرة الأولى التي يصيبهم فيه الجفاف ...