رواية انا والطبيب
عقلها في هذه الذكرى التي كانت البداية لكل شيء اليوم الذي تغيرت عنده حياتها وأصبحت تكتسي بالسواد..
في بلدة متواضعة يميزها طيبة قلوب ساكنيها ومع بدء أول خيط للصباح والشمس لم تخرج بعد على حافة الشروق انتشر الرجال عائدون من صلاة الفجر واستقيظت النساء والفتيات من ثباتهم بعد ليلة هادئة انتهت بنوم عميق باكر..
وفي هذا المنزل المتوسط الذي يعمه السکينة والود..
توقفت قدر تتخصر بتذمر أمام باب المطبخ ثم هتفت بإمتعاض
أنا مش عارفة أيه السر العجيب في أنكم تعملوا فطار يوم الجمعة فطير..
الناس تفطر على حاجة خفيفة كدا على معدتها وإحنا يا عيني نصدمها بفطير مشلتت بالقشطة..
أو ممكن مثلا بلاش الفطير علشان عندي بنت مش عايزه تكلف نفسها وتساعد قبال أمها.!
وعلى أساس معدتك المسكينة مش هي إللي بتلهف الفطير بتاع الصبح ده..
أبوك وأخواتك وأنت بتحبيه وبطلي لماضة وأيدك معايا علشان نطيبه..
ارتفعت ضحكات قدر في المنزل ودلفت تحتضن والدتها بشغف وتقبلها وهي تقول
يلا أوريك شطارة قدر يكش يطمر في الجحشين رائف ورائد عيالك الطفسين..
وبمجرد انتهاءها من سبها حتى دلف المطبخ شابان في السادسة والعشرون من عمرهم يكبروا قدر بخمس سنوات هرعوا نحوها لتبدأ معركتهم الصباحية وصاح رائد بعنفوان
جحش لما يطيرك يا قدر بني غبش على حياتنا..
الناس تقوم الصبح تقول أصبحنا وأصبح الملك لله وأنت من الصبح جارة شكلنا كدا..
خليك شاهدة يا حليمة على بنتك..
وكعادة كل صباح خرجت صړخة من حلق حليمة لفض تلك المعركة بينما تجذب مغرفة الطعام الثقيلة ليسرع ثلاثتهم هارعين لغرفهم بحماية..
أخذ يقول رائف بصوت مرتفع بمكر
أيده رائد بمكره بينما يجذب شيء ما من الحقيبة البلاستيكية التي تجاوره وقال
عندك حق يا رائف .. يلا حلال علينا الشيبسيات والمولتو ده...
ولم يكمل جملته حتى اقټحمت عليهم الغرفة بإبتسامة عريضة وهرعت تجلس بينهم تقول بحب
تعرفوا أن إمبارح عملت حسابكم معايا واشتريت بيف مخصوص من إللي بينزل في قلبكم ده ودلوقتي هعمل حتة طاسة بيض بالبيف المعتبرة إللي أنا بعملها..
انهالت فوقها القبل بمرح وحنان وأخذوا يدغدغونا بدلال لټنفجر ضحكا فيقول رائف
قدرنا الأبيض إللي شبه النور وإللي محلية حياتنا ياض يا رائد..
هو أنا أقدر على يومي ألا ما يبدأ بقدر حبيبة قلب أخوها..
لم يكن مجرد مزاح فقد كانت هي لحياتهم وهج ونكهة لا يستطيع الجميع التخلي عنها ورغم عنفوانها وعصبيتها وقوتها التي لا يستطيع أحد مجابهتها فهم لها سند واحتواء وهم بأعينها العالم أجمع تلقى منهم دلالا واحتواء فهي أميرتهم الوحيدة..
تجمعت الأسرة والتفوا حول طعام الإفطار يتناولون في جو مليء بالسعادة والود والمرح..
وبعد الإنتهاء من الإفطار خرجت قدر حيث شرفة المنزل الأرضية الأمامية الواسعة والتي تطل على حديقة المنزل الصغيرة ثم الشارع تحمل أكواب الشاي الذي أخذت رائحة النعناع الطازج تفوح منه..
وضعته بالمنتصف حيث يجلس والديها وشقيقيها فوق الأرائك تحت أشعة الشمس الصباحية الدافئة..
رددت قدر بمرح
شاي بالنعناع إنما أيه محدش يقدر يعملها ألا قدر ربنا ما يحرمكم مني أبدا..
لوى رائف ورائد أفواههم بضجر وأخذ رائد في الهمس بضحر
يلا أسطوانة الشاي بالنعناع بتاعة كل يوم ... مكانتش كوباية شاي يعني..
طوقت قدر خصرها وصاحت بإحتقان
سمعني صوتك يا سي رائد أنا عارفة بتقولوا أيه يا ناكرين المعروف .. مكانتش كوباية شاي يعني ماشي بكرا لما ميبقاش في قدر هتتشوقوا على كوباية الشاي دي وتقولوا فينك يا قدر ولا يوم من أيامك..
لا يعلم والدها لماذا ارتجف من هذا الحديث جذبها مقبلا رأسها بحنان ثم قال
ربنا ما يحرمنا منك أبدا يا نن عيني دا أنت الخير ونوارة البيت ده يا قدري الأبيض الجميل..
نظرت لشقيقيها بغيظ بينما قالت والدتها وهي تجذب كوب الشاي
أقعد دلع فيها يا أبو ياسين لغاية ما شايفه نفسها